لوحة وليمـة بلشـاسـار

لوحة وليمـة بلشـاسـار

وليمـة بلشـاسـار 

للفنان الهولندي رمبـرانــدت، 1635
Rembrandt, Belshazzar’s Feast, 1635



"لا تعبدوا الأوثان. ولا تشركوا بالله شيئا". هذا هو الدرس الديني والأخلاقي الذي تقدّمه هذه اللوحة الجميلة والمعبّرة.
القصّة التي ترتكز عليها الصورة مختلَف عليها. فكتب التاريخ لا تكاد تأتي على ذكرها. وكلّ ما هنالك بضع إشارات وردت في سفر دانيال من كتاب العهد القديم.
حدثت هذه القصّة عام 538 قبل الميلاد. وتتحدّث عن الملك البابلي بلشاسار الذي خلف والده نبوخذ نصّر على كرسيّ الحكم.
بعد سنوات من جلوسه على العرش، أقام بلشاسار في إحدى الليالي مأدبة ضخمة في قصره دعا إليها ألفاً من أفراد حاشيته والأمراء والوجهاء بالإضافة إلى زوجاته ومحظيّاته.
مناسبة الوليمة غير معروفة على وجه التحديد. لكن يقال أن بلشاسار كان شخصا متكبّرا ومفتونا بملكه وهيلمانه. وقد اختار أن يقيم الوليمة في الوقت الذي كانت فيه قوّات داريوس ملك الفرس تُحكم حصارها على بابل تمهيدا لاقتحامها واحتلالها. كانت أسوار بابل وقتها محصّنة ومنيعة إلى درجة أن بلشاسار ظنّ انه يستحيل اختراقها.
في تلك الليلة أمر بلشاسار بإحضار كؤوس الذهب والفضّة من معبد أورشليم كي يقدّم فيها النبيذ إلى ضيوفه. هذه الأواني كانت مقدّسة بحسب الرواية. وكان ذلك الفعل كافيا لجلب غضب الربّ وسخطه على الملك المستهتر.
وتمضي القصّة فتقول انه بينما كان الملك وضيوفه منهمكين في الشراب والمجون، رأى الملك فجأة على ضوء مصباح يداً غريبة تخرج من الجدار وتكتب عليه كلمات مرمّزة بأحرف من اللغة الآرامية القديمة.
وهذه هي اللحظة التي اختار رمبراندت أن يرسمها في اللوحة. تأثير الصدمة واضح على وجه بلشاسار وهو يدير رأسه باتجاه اليد التي تكتب على الجدار. رقبته متوتّرة وعيناه مفجوعتان وهو ينظر إلى الكتابة المتوهّجة على الحائط، بينما يرفع يده اليسرى كأنما ليحمي نفسه من خطر داهم ووشيك.
هذه اللوحة تصلح لأن تكون نموذجا في دراسة التأثير السيكولوجي للصدمة. براعة رمبراندت في رسم ملابس الملك الباذخة والموشّاة بالذهب والفضّة وعمامته المثبّت فوقها تاج الحكم يجعل من هذه اللوحة إحدى أروع أعمال الرسّام.
ترتيبات الحياة الساكنة على المائدة من فواكه وأوانٍ تشبه ما كان يستخدمه الهولنديون الأثرياء في منازلهم زمن رمبراندت. كأن الرسّام يدعو الناظر إلى تخيّل فخامة القصر والتمعّن في سحر الكتابة المتوهّجة باللونين الذهبي والفضّي على حائط القصر.
المرأة الجالسة بالقرب من الملك تخفض جسدها اتقاء حركة ذراعه القويّة والمفاجئة. أيضا من التفاصيل اللافتة للانتباه في المشهد تعابير الصدمة والرعب المرتسمة على ملامح الرجل والمرأة الجالسين إلى يسار اللوحة. نظرات الحاضرين تدلّ على أن اليد ظهرت للملك وحده دون غيره. ولهذا السبب خاف وارتعب لأنه أدرك أن ما هو مكتوب يخصّه هو شخصيّا.
ارتبك بلشاسار جدّا وتملّكه الفزع وتغيّرت هيئته ممّا رأى. وسارع في طلب السحرة والمنجّمين كي يفسّروا له ما حدث.
وأشار عليه بعض خلصائه أن يستشير حكيما يُدعى دانيال عُرف ببراعته في تفسير الرؤى. وعندما حضر الحكيم عرض عليه بلشاسار أن يعطيه ما يشاء من مال وجاه إن هو نجح في قراءة وتفسير الكتابة الغامضة.
فقال له دانيال وكان رجلا صالحا وزاهدا في الدنيا: لتكن عطاياك لنفسك ولتمنح هباتك لغيري. أما الكتابة فهي نذير شرّ لك. لقد بالغت في تمجيد الأوثان وإهانة الربّ. لذا سينتهي ملكك سريعا وستُقسّم أراضي المملكة بين ميديا وفارس".
وفي تلك الليلة سقطت بابل دون قتال بخدعة نفّذها الفرس والميديون بتحويلهم مجرى النهر. وفي منتصف الليل فتحوا الأبواب بطريقة لم يتوقعها الحرّاس في الأبراج العالية وعبر الجيش الغازي إلى وسط المدينة وقُتل بلشاسار وعدد من رجاله.
ويبدو أن داريوس عرف بأمر المأدبة الضخمة وبأن الملك ورجاله وجنده غارقون في سكرهم وعربدتهم وأيقن أن تلك فرصته الذهبية لاقتحام المدينة واحتلالها. وكان له ما أراد.
المصدر : مدونة لوحات عالمية 

إرسال تعليق

0 تعليقات